جيفري كلوغر & أندريه كلوفمان
مجلة Time الأمريكية
في ملف تحقيق جنائي عصري : من قتل توت عنخ آمون؟
منذ اللحظة التي اكتشف فيها هوارد كارتر قبر توت عنخ آمون عام 1922م والدهشة مستمرة في جميع أنحاء العالم , فهو واحد من غرف الدفن الفرعونية النادرة التي احتفظت بكل محتوياتها من كنوز ولاسيما أعظم قناع جنائزي في العالم وأكثرها شهرة على الإطلاق. لكن غرفة الدفن هذه أثارت تساؤلات لم يتم العثور على إجابات لها منذ ذلك الوقت , فقد مات الفرعون وهو في سن الثامنة عشرة وهي سن صغيرة بالنسبة للفراعنة. كما أن غرفة الدفن كانت صغيرة وغير مكتملة بالنسبة لشخص في مقام فرعون , مما يشير إلى أنه مات قبل الأوان.
كل ذلك أثار الشكوك أن موته كان نتيجة لحدث غير طبيعي بل وربما لحدث يتسم بالعنف ..
فهل نتحدث عن جريمة قتل ؟
ومع أن علماء الآثار والمصريات قضوا كل تلك السنوات الماضية يحاولون اكتشاف لغز وفاة الفرعون الشاب فقد فشلوا في التوصل إلى أي نتيجة. وبعد انقضاء 3300 عام على دفن توت عنخ آمون تراءى للمنتج السينمائي البريطاني أنتوني غيفن تغيير التوجه فيما يتعلق بمحاولة الإجابة على التساؤلات , فاتصل بكريغ كوبر رئيس شرطة مدينة بروفو بولاية يوتاه والموظف السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي , ومايك كينغ مدير وحدة تحليل الجريمة بشرطة أودن بنفس الولاية , لمحاولة استكشاف الأسرار المتعلقة بالفرعون الشاب باعتبارها جريمة مطلوب التوصل لفاعلها.
وعمل المحققان بالتعاون مع شركة "غيفن أتلانتيك برودكشن" في لندن واستخدما ثروة من المصادر والكتب والأبحاث الأكاديمية وصور قبر توت عنخ آمون وصور أشعة إكس للمومياء نفسها ومقابلات مع الخبراء المعاصرين .. من أجل تطبيق إنجازات علم الطب الشرعي الحديث على قضية ضاربة في القدم. والغريب في الأمر أن التقنيات الحديثة أثبتت نجاحاً كبيراً لدرجة أن المحققين يعتقدان أنهما توصلا إلى ما يؤكد وقوع جريمة قتل , بل إن لديهما فكرة جيدة عمن ارتكبها. غير أن علماء المصريات قالوا أن نتائج التحقيق غير مهمة , وأوضحوا أن عمل كوبر وكينغ "مجرد تجديد للنظريات المطروحة مع قليل من تقنيات الطب الشرعي الحديثة" , وأن مثل هذا المجال بحث من قبل ولم يتم التوصل إلى نتائج إيجابية فيه.
وتقول ماريان ايتون كراوس المتخصصة في توت عنخ آمون في أكاديمية برلين, براند بورغ للعلوم والإنسانيات : "الناس يحبون الجدل ولكن لا توجد أي أدلة ". فقد حاول كارتر اكتشاف اللغز المحيط بتوت عنخ آمون بتكليف دراسة تشريحية للمومياء عام 1925 ولم يعثر خبراء التشريح الذين فحصوا المومياء لأول مرة على ما يثير الشكوك. وبعد 43 عاماً أي عام 1968 حصل باحث في جامعة ليفربول على تصريح بإجراء فحص أشعة إكس على المومياء واكتشف بعض الأدلة المثيرة , فقد وجد شظية من العظام في فراغ الجمجمة مما يشير إلى احتمال جلطة دموية ربما تشير إلى ضربة قاصمة وربما مميتة لخلفية الرأس.
ولإلقاء مزيد من الضوء على المشكلة عرض كوبر وكينغ النسخة الأصلية لأشعة إكس على خبير طبي وأخصائي أعصاب , واكتشف هؤلاء المزيد من الأدلة : تشوهات في تجويف العين وهو شرخ يحدث عندما يرتطم الرأس بالأرض عندما يقع الشخص على ظهره ويندفع المخ إلى الأمام.
كما اكتشفوا أن بعض فقرات العمود الفقري ملتصقة بعضها ببعض وهذه حالة مرضية تمنع المصابين من تحريك الرأس بدون إدارة النصف الأعلى من الجسم بأكمله , وتجعل الشخص عرضة للإصابة إذا وقع أو دفعه أحد.
كوبر وكينغ من جهتهما بدآ دراسة المتهمين المحتملين , وبقول كوبر: "سرعان ما وجدنا أننا نركز على أربعة مشتبه بهم أكثر من غيرهم : مايا أمين خزانة توت , حورمحب قائده العسكري وزوجته عنخ سن مين , ورئيس الوزراء اي ". وسرعان ما استبعدا مايا إذ لم يثبت أن لديه دافعاً قوياً , أما حورمحب فقد كان حالة صعبة , ويقول المحققان أن القائد العسكري قضى
وقتاً طويلاً مع توت يعلمه الصيد وقيادة المركبات وهي نشاطات تتضمن العديد من الفرص للتخلص من الملك الشاب في حادثة مفتعلة , ولو مات توت في حادثة لبدأت الجثة في التحلل قبل أن ينقلها حورمحب إلى القصر الملكي وربما يشرح ذلك الاستعجال في دفن توت في غرفة دفن لا تليق بفرعون ولم ينته العمل فيه. أما الدافع المحتمل لقتل توت فهو تولي حورمحب العرش , وهو أمر كان من السهل عليه القيام به لأنه قائد الجيش , ولكن عندما مات توت بقي حورمحب في منصبه , ويقول كوبر: "لو أراد حورمحب العرش لأمكنه ذلك".
كما تم استبعاد عنخ سن مين فلم يكن من المستحيل على زوجة فرعون تولي العرش.
والسيناريو المحتمل أنها كانت تفكر في ورثتها , فقد عثر على مومياءين لجنينين في مقبرة توت عنخ آمون. وإذا لم يكن توت قادراً على إنجاب أطفال بصحة جيدة فربما أرادت عنخ سن مين التخلص منه للتزوج من شخص يمكنه ذلك. ويبقى رئيس الوزراء الذي شغل نفس المنصب في عهد والد توت وكان الملك القعلي ويقدم النصيحة للملك الشاب وحصل على ثقته (أصبح توت فرعوناً وهو في سن التاسعة) ربما رغب اي في العرش نفسه وهو المنصب الذي حصل عليه بعد وفاة توت , وتظهر الرسوم الجدرانية اي يؤدي احتفال فتح القم في جنازة توت وهو الحدث المخصص للوريث فقط.
على أن كل ذلك لم يقنع العلماء فالاعتماد على رسوم جدرانية لتقرير طبيعة علاقة أمر ساذج كما يقولون , وبغض النظر عما إذا كانت الأدلة ضد اي مؤكدة أو ضعيفة فليس من المرجح انتهاء الشكوك والتكهنات , فربما تلقي اكتشافات علمية جديدة في مجال البحث الجنائي الضوء على معلومات جديدة مثل الأمراض المحتمل أن يكون الملك الشاب قد أصيب بها. ويود كل من كوبر وكينغ المضي في طريقهما , ويقول كوبر: "السلوك الإجرامي لا يتغير , ولا يهم ما إن كان قد وقع اليوم أو قبل 3300 عام".

تعليقات
إرسال تعليق