ظلال أندلسية على العقل الإسباني


     أميركو كاسترو باحث وكاتب ومؤرخ مولود في البرازيل عام 1885م وتوفي في إسبانيا عام 1972م .
ويعد من أهم المؤرخين الذين بحثوا في تاريخ إسبانيا وآدابها ونبش في جذور الثقافات المتعددة التي أثرت في إسبانيا فقد كشف أصول الكثير من كتب القرون الوسطى التي كانت مجهولة , أو قد كتبها أشخاص متنصرون من مسلمين ويهود.
ولقد أثارت نظريات أميركو الجدل والاهتمام في الأوساط الثقافية الإسبانية لكونها جديدة ومغايرة لما هو موجود آنذاك , فكان لديه معارك أدبية كثيرة مع الباحث والمؤرخ الإسباني (اليميني) ألبور نوث , الذي كان يشير إلى أن الأندلسيين كان لهم دور ضئيل وغير مهم في الثقافة والتاريخ الإسبانيين , أي على العكس مما كان يقوله أميركو  كاسترو.
     من الأيام الأولى لأميركو كاسترو في إسبانيا وإلى بداية الحرب الأهلية الإسبانية تعاون مع خبير دي لوس ريوس ومينندث بيدال . فهو لم يثر اهتمام المثقفين والباحثين آنذاك فقط , بل أثار اهتمام المفكرين المعاصرين أيضاً للبحث عن الحقيقة من خلال 
ما كتب ومن هؤلاء الباحثين المتأثرين به إلى حد كبير لا يوصف : خوان غويتسولو الإسباني الذي عاش ما بين مراكش وباريس.
خوان غويتسولو ولد في إسبانيا عام 1931م , وتعلم القراءة من أمه قبل سن السابعة , أما والده فقد كان قاسياً شديد المحاسبة والمراقبة , هاجر غويتسولو إلى خارج إسبانيا وعمره 22 عاماً بسبب الظروف التي كانت تعاني منها إسبانيا ثم عاد وعمره 25 ليسافر ثانية إلى فرنسا حيث يبقى إلى ما بعد موت فرانكو . كتب أكثر من 12 رواية أغلبها مترجم إلى اللغة العربية مثل :
"بطاقة هوية" , "مطالبات الدون خوليان" , "خوان بلا أرض" , "الأربعينية" و "المعتبرة" .... إلخ , ويعد كتابه النقدي المهم "حوليات إسلامية" الكتاب الأهم الذي اتبع فيه خط أستاذه والمؤثر فيه أميركو كاسترو .. فيه يعالج بقدرة كبيرة وبإنصاف وبعلمية , التاريخ الأندلسي الإسلامي وأثره في بناء إسبانيا منذ القرون الوسطى حتى الوقت الحاضر , إذ أن مسيحي القرون الوسطى حاولوا أن يظهروا بمظهر التعالي والمعرفة الأشمل والأوسع عن مستوى العرب واليهود .
     هذه المغالطات غزت ونمت طموح أميركو كاسترو للبحث عن الحقيقة في التاريخ , وسار ـ كما ذكرنا ـ خوان غويتسولو على خطى معلمه في كتابيه : إسبانيا والإسبان وفضائل الطائر الوحداني.
لأول مرة يصدر كتاب يتضمن رسائل كان قد كتبها خوان غويتسولو إلى أميركو كاسترو من هذه الرسائل اخترنا بعضها :
1ـ رسالة مؤرخة : باريس في 1/11/1968م صديقي الغالي , اعذرني على صمتي الطويل , ففي بداية شهر سبتمبر دعيت لإلقاء محاضرات في جامعة كارولينا في براغ في تشيكوسلوفاكيا المنكوبة , ضحية ظروفها الجغرافية وضحية العنف الإمبريالي 
لجيرانها المتسلطين , تكلمت حول إسبانيا والإسبان معتمداً على تأويلكم التاريخي .... إلخ .
2ـ رسالة مؤرخة : باريس في 22/12/1968م صديقي العزيز , خلال سفري في هذا الإقليم سمحت لي الظروف بأن أتحدث عن أعمالكم مع مؤرخـَين عربيَين أعربا عن استعدادهما لقراءة أعمالكم وترجمتها .. كلاهما يجيد اللغة الفرنسية وهما : 
جبران مجدلاني من بيروت ـ لبنان , وإلياس مرقص من اللاذقية ـ سوريا .
3ـ رسالة مؤرخة : باريس في 19/1/1969م عدتُ إلى باريس السبت الماضي وعجلت بالإجابة على رسالتكم , بالفعل أقول لكم بأن الحالة كما تصورتم , فالذكرى التي عشناها ورأيناها بقيت تلاحقـني كل سفر , فالتاريخ يبدو وكأنه يعيد نفسه , من الأفضل القول , التكرار في بعض الأفعال والتصرفات . فالنزاع القائم الذي يفصل ويباعد ما بين أولاد إسرائيل وأولاد إسماعيل يترك في داخل إسبانيا طعماً مراً ومأساوياً , نحن الذين عشنا تاريخ إسبانيا عشنا عملية القتل والإبادة التي ارتكبها عرق إسباني بعرقين إسبانيين آخرين. وما يحدث اليوم في الشرق الأوسط يوصلنا إلى مفهوم القدرية الأكثر اسوداداً والأكثر تشاؤماً واستعصاءً , وأنا كل يوم أزداد اقتناعاً بأن اليهود بدل أن يحلوا مشكلة العداء للساميين فإنهم وبأعمالهم يزيدونها خطورة ويديمونها .. نظراً لحالة 
التمييز المقرفة والمقيتة ضد الشعب الفلسطيني التعيس ..
     إن عملية إنشاء دولة مثل لبنان الذي يتعايش فيه المسلمون والمسيحيون بسلام , هو الحل الأنجح والأكثر عدالة وعقلانية وأنا شخصياً أشك في الوصول إلى هذا الحل .. لأنه عندما يتكلم السلاح يصمت العقل , أي لم يعد للعقلانية وجود . ويذكر أن من أهم كتب أميركو كاسترو "فكرة يربانتس" عام 1925م , "الواقع التاريخي لإسبانيا" عام 1922م , "الإسبان كيف وصلوا ليكوّنوا إسبانيا" عام 1965م , و "الإسبانية : كلمة أجنبية" عام 1970م.

تعليقات