سيبويه "شيخ النحـاة"



أصله ومنشأه :

     أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، فارسي الأصل المعروف بسيبَوَيه (140هـ/180هـ - 760م/796م) إمام العربية و"شيخ النحاة" الذي إليه ينـتهون، وهو أول من بسّط علم النحو. وله كتاب في النحو يسمى "الكتاب" حجة العرب ودستورها وهو أول كتاب منهجي ينسق ويدون قواعد اللغة العربية، «لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله». 
     ولد في مدينة "البيضاء" قرب شيراز في بلاد فارس (وهي أكبر مدينة في إصْطَخـْر على بُعد ثمانية فراسخ من شيراز)، كان مولى بني الحارث بن كعب، ثم مولى آل الربيع بن زياد الحراثي. وقدم من أرض فارس إلى البصرة غلامًا، وقدا اختلف في موعد قدومه تحديدًا، ونشأ فيها وأخذ عن علمائها، وعلى رأسهم الخليل بن أحمد الفراهيدي. له وصف لمخارج حروف اللغة العربية هو الأدق حتى الآن.

نشأته وحياته :

     طلب الفقه والحديث مدة ثم أقبل على العربية فبرع وساد أهل العصر, وألف فيها كتابه الكبير لا يدرك شأوه فيه استملى على حمّاد بن سلمة وأخذ النحو عن عيسى بن عمر ويونس بن حبيب والخليل وأبي الخطاب الأخفش الكبير. وقد جمع يحيى البرمكي ببغداد بينه وبين الكسائي للمناظرة بحضور سعيد الأخفش والفراء , وجرت مسألة الزنبور وهي كذب أظن الزنبور أشد لسعًا من النحلة فإذا هو إياها فقال سيبويه: ليس المثل كذا بل فإذا هو هي, وتشاجرا طويلاً وتعصبوا للكسائي دونه ثم وصله يحيى بعشرة آلاف فسار إلى بلاد فارس فاتفق موته بشيراز فيما قيل, وكان قد قصد الأمير طلحة بن طاهر الخزاعي.
وقيل : كان فيه مع فرط ذكائه حُبسة في عبارته وانطلاق في قلمه.
قال إبراهيم الحربي : سمي سيبويه لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين بديع الحسن.
قال أبو زيد الأنصاري : كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان فإذا قال حدثـني من أثق به فإنما يعنيني.
وقال العيشي : كنا نجلس مع سيبويه في المسجد وكان شابًا جميلاً نظيفـًا قد تعلق من كل علم بسبب وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه.
     
     ومع حداثة سنِّه فقد انطلق يصحب أهل الحديث والفقهاء حيث ميله ومراده، فكان يستملي على حمَّاد بن سلمة في حلقته ليكتب الحديث ويرويه، وشاء الله أن يكون لغير ما طلب وما أراد أولاً؛ فقد سأل يومًا حماد بن سلمة فقال له : أحدَّثك هشام بن عروة عن أبيه في رجلٍ رعُف في الصلاة، بضم العين؟ فقال له حماد : أخطأت، إنما هو رعَف بفتح العين. فانصرف سيبويه إلى الخليل، فشكا إليه ما لقيه من حماد. فقال له الخليل : صدق حماد ! ومثل حماد يقول هذا, ورعف بضم العين لغة ضعيفة.
     ثم يتكرر الموقف مرة أخرى، فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحد من أصحابي إلا وقد أخذتُ عليه ليس أبا الدرداء". فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء بالرفع. وقد خمَّنه اسم ليس. فقال له حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما (ليس) ها هنا استثناء. فكان أن أَنِف سيبويه من ذلك وقد أخذ قراره، فقال: لا جرم لأطلبَنَّ علمًا لا تلحنني فيه أبدًا. فطلب النحو، ولزم الخليل.

شيوخ سيبويه :

     من أشهر شيوخه حمّاد بن سلمة، وبعد قراره الأخير هذا عمد سيبويه إلى إمام العربية وشيخها الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ لينهل ويتعلم منه عن حبٍّ وعزيمة وقوة إرادة، فصار يلازمه كالظلِّ حتى لقد بدا تأثره الكبير بشيخه هذا على طول صفحات كتابه الوحيد وعرضه في رواياته عنه، واستشهاداته به.
     ولم يكتفِ سيبويه بشيخه الخليل بن أحمد في علوم النحو والعربية، بل إنه استزاد من ذلك شأن أقرانه في ذلك الوقت، فتتلمذ أيضًا على يد أبي الخطاب المعروف بالأخفش الأكبر، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبي زيد الأنصاري النحوي، وغيرهم.

تلامذة سيبويه :

     لأن القدر لم يمهله طويلاً حيث تُوُفِّي في ريعان شبابه، فلم يكن لسيبويه تلاميذ كثيرون، وكان من أبرز من تتلمذوا على يديه ونَجَم عنه من أصحابه: أبو الحسن الأخفش، وهو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة، وقُطْرب وهو أبو عليٍّ محمد بن المستنير، ويقال: إنه إنما سمِّي قطربًا لأن سيبويه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه، فيقول له: إنما أنت قطرب ليل. والقـُطْرب: دويبة لا تزال تدبُّ، ولا تفتر.
     وقال أبو العباس المبرد: "كان الأخفش أكبر سنًا من سيبويه، وكانا جميعًا يطلبان. قال: فجاءه الأخفش يناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره. فقال له سيبويه: أتراني أشكُّ في هذا!


آراء العلماء في سيبويه :

     قال عنه ابن عائشة: "كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًّا جميلاً نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسببٍ، وضرب في كل أدب بسهمٍ، مع حداثة سنِّه وبراعته في النحو".
     وحدَّث أحمد بن معاوية بن بكر العليمي، قال: "ذُكر سيبويه عند أبي، فقال: عمرو بن عثمان قد رأيته وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبْسة، ونظرتُ في كتابه فرأيت علمه أبلغ من لسانه".

آراء العلماء في مؤلفاته :

     ذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس في كتابه (طبقات الأمم) قال: "لا أعرف كتابًا ألِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطو طاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي؛ فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له".
     وقال أبو جعفر: "لم يزل أهل العربية يفضلون كتاب سيبويه". وقال محمد بن يزيد‏: ‏"لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره‏".
 
نسخة أندلسية نفيسة تامة من كتاب سيبويه بخط أبي الحسن علي ابن محمد

منهج سيبويه في الكتاب :

     الكتاب يقع في أكثر من تسعمائة وعشرين صفحة، وقد جرى التقسيم فيه إلى أبواب، ولا نجد فيه كتبًا ولا فصولاً، وسيبويه يُكثِر من الأبواب للمبحث الواحد بحسب تنوع ما يجري فيه البحث.
     ويقع الكتاب في جزأين: الأول في مباحث النحو، والثاني في مباحث الممنوع من الصرف ومباحث النسب والإضافة ومباحث التصغير وبقية مباحث التصريف، ويحوي إلى مباحث الصرف والنحو مباحث العربية عامة؛ ففيه المجاز والمعاني وضرورات الشعر وإنشاده وتعريب الكلمات الأعجمية، وفيه أيضًا قدر وافٍ من مباحث الأصوات العربية.

وفاة سيبويه :
     أغلب الظن أن وفاة سيبويه لم تكن طبيعية، فإنه حين علِم بعد مناظرة الكسائي أنهم تحاملوا عليه وتعصّبوا للكسائي , فخرج من بغداد وقد حمل في نفسه لما جرى عليه، وقصد بلاد فارس ولم يعرج على البصرة، وأقام هنالك مدةً إلى أن مات كمدًا، ويُروى أنه ذَرِبتْ معدته فمات.
     وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلافٌ عريض، والراجح من الأقوال أن ذلك كان في شيراز سنة ثمانين ومائة من الهجرة "180هـ" الموافق 796 م , وقيل سنة ثمان وثمانين ومئة.
قال الخطيب البغدادي : "يقال : إنه توفي وعمره ثـنتان وثلاثون سنة".
ويقال: إنه نَيَّف على الأربعين سنة, لأنه قد روى عن عيسى بن عمر، وعيسى بن عمر مات سنة تسع وأربعين ومائة، فمن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه إحدى وثلاثين سنة، وما يكون قد أخذ عنه إلا وهو يعقل، ولا يعقل حتى يكون بالغًا، والله أعلم.

وفي مرضه الذي تُوُفِّي فيه، قيل إنه تمثَّل عند الموت بهذين البيتين:
يُـؤَمِّـل دنيـا لتـبـقـي لـه *** فـمات المؤمِّـلُ قـبل الأمـلْ
حثيثًا يروِّي أصولَ النخيل *** فعاش الفسيلُ ومات الرجلْ

ويقال: إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه، فدمعت عين أخيه، فاستفاق فرآه يبكي فقال:
أخيين كنَّا فَرَّق الدهرُ بيننا *** إلى الأمدِ الأقصى ومن يأمنُ الدهرا

وقال الأصمعي:
قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:
ذهب الأحبة بعد طول تـزاورٍ *** ونأى المزار فأسلمـوك وأقشعـوا
تركوك أوحش ما تكونُ بقفـرة *** لم يؤنسوك وكـربة لم يدفعـوا
قَضَى القضاءُ وصرتَ صاحبَ حفرةٍ *** عنك الأحبة أعرضوا وتصدَّعوا

مصادر :
قصة الإسلام http://islamstory.com/ar 
ويكي مصدر http://ar.wikisource.org/wiki
ويكيبيديا الموسوعة الحرة
http://ar.wikipedia.org/wiki
سير أعلام النبلاء / الذهبي
معجم الأدباء / ياقوت الحموي
خزانة الأدب / البغدادي


تعليقات