أنا أول من يحذركم من أنها في طريقها إلى الانقراض في غضون سنوات أو عقود قليلة، ستنضم السفرة إلى قائمة ضحايا طوفان "الميديا"، و"الانعزالية"، أو نتاج "شراء الدماغ" لسيدات البيوت، وتفضيل الناس أن تكون المناسبات والعزائم خارج البيت .. على قولهم "بلا وجع دماغ" !
وهذا ما أصبحنا نراه بكثرة الآن !
وللسفرة تاريخ ضارب في الزمن، وذكريات جميلة وصعبة مع الجميع، ومعي بصفة خاصة، فبجانب ثلاث عبارات خالدة : "أفرشوا السفرة" ، "الأكل على السفرة" ، "شيلوا السفرة"
هذه التعبيرات أكاد أُجزم بأنها غابت عن مسامع الكثير ممن يقرأ الآن من الجيل الجديد .. لأنهم يطلبون (Delivery) ويأكلون في غرفهم.
فالجلوس على السفرة مع الأسرة كان حدثاً يتكرر ثلاث مرات يومياً في طفولتي (إفطار - غداء - عشاء). وأول ما اختفى وانسحب هو العشاء !
لأسباب كثيرة منها:
الريجيم أو النوم الخفيف بعدها توارى الإفطار من السفرة حزينًا، وذلك نتيجة الصيام المتقطع، الموضة التي ظهرت حديثًا ويزعمون أنه صحي.
الاستيقاظ وقت الظهيرة
وأخيراً الغداء .. والذي ظل صامداً لفترة، محافظًا على هيبته وكينونته لمدة أطول، حتى بدأ ينهار أيضًا، بفعل اختلاف المواعيد والانشغال والأكل في الشارع وريجيم الصيام المتقطّع، وأصبحنا نوزع الغداء في صحون لمن يتأخر، ليسخنها في المايكرويف ويأكل وحده .. فضاعت بركة الطعام وعدم الاجتماع.
بالنسبة لي وللكثيرين، السفرة لم تكن للطعام فقط !! السفرة كانت في كثير من الأحوال قاعة محكمة، وكنت تواجه فيها مصيرك، فأنت ستجلس في مواجهة الركن المهيب "الوالد" والذي يكون بمثابة رئيس الجلسة والادّعاء العام "أمي" والتي تشكوني، وفي الوقت نفسه تحاول أن آخذ حكمًا خفيفًا، والشهود "الأخوة" والذين يكونون غالبًا مشاركين في الجريمة.
أنت تأخذ الحكم، وتذهب إلى غرفتك وأنت تضرب برجلك في الأرض، وتبرطم بكلام .. من مصلحتك أن يكون غير مفهومًا.
&&&&
غابت هذه المحكمة الجميلة، وذهب الوالدان إلى رحمة الله ، بعد أن منحونا كل رحمتهم وبركتهم، وتفرّق الشهود، واليوم .. لا تجمّع لأي أسرة على السفرة، على قدر علمي في الثلاث وجبات، وبقى الأم والأب بمفردهما.
فالأكل إن لم يكن في الشارع، فهو في المطبخ، أو على الطاير، علينا العمل على إنقاذ السفرة فبإنقاذها قد تنجو الأسرة من التفكك الكامل، السفرة ليست مفرشة وطعامًا فقط، السفرة حوار ونقاش ومشاركة .. السفرة حكايات وضحك ونصائح وتعليم. السفرة حياة أسرة ومجتمع فأحيطوا بها كي تبقى.
دمتم بحفظ الله ورعايته
نقلتها لكم بكل حب
تعليقات
إرسال تعليق